يستحوذ جوجل كروم على 65% تقريبا من الحصة السوقية للمتصفحات، الاحتمال الأكبر أنك تقرأ هذا المقال عبر جوجل كروم، ولكن كيف وصلنا إلى هنا ؟، كروم أُطلق متأخرا بالنسبة للمتصفحات الأخرى، في وقت بدت المنافسة فيه معدومة وفرصة ظهور متصفح جديد ضئيلة جدًا، متصفح مايكروسوفت Internet Explorer كان يمتلك في عام 2002 ما يقارب 96% من الحصة السوقية للمتصفحات، كيف استطاعت جوجل أن تعلو بمتصفحها الجديد فوق الكل وتزيح متصفح مايكروسوفت من الصدارة؟ وما العقبات التي قد تواجه جوجل كروم مستقبلا بعد أن استحوذ على المركز الأول في عالم المتصفحات؟ هذا والمزيد سنناقشه بشيء من التفصيل في هذا المقال.
صعود جوجل كروم
إنه عام 2008، يستحوذ متصفح مايكروسوفت internet explorer أو IE على 60% من الحصة السوقية للمتصفحات، لكن لم يبدُ أن هيمنتها ستستمر طويلا، مع مشاكل internet explorer المزعجة مثل عدم القدرة على الاستمتاع بآخر تحديث له إلا مع تحديث نظام التشغيل، وانهياره المتكرر (عملية الـ crash ) أصبح المزيد من الناس يتجهون نحو Firefox حيث بدا الاختيار الافضل للعديد من الناس.
أعلنت آبل عن جهاز الآيفون مؤخرا وويندوز 7 على الأبواب، كل ما في التقنية يتطور ماعدا المتصفحات التي ظلت كما هي، مع ظهور المزيد من صفحات الويب التي تحمل بداخلها عناصر تفاعلية مع المستخدم أصبح لابد للمتصفحات من التطور لدعمها، أصبحت التقنيات المبنية عليها قديمة ولابد من تغييرها، لم يعد الويب مجرد صفحات ثابتة مليئة بالنصوص، كما تعلم.
في ذلك الوقت، أدركت جوجل أنه لابد من التطوير وبناء متصفح جديد داعم للتقنيات الحديثة وحل مشاكل المتصفحات الموجودة، وهو الأساس الذي بنت عليه متصفحها جوجل كروم، بداية جوجل من نقطة الصفر وفرت لها ميزة كبيرة عن المتصفحات الأخرى، حيث أنه ليس عليهم تكبد تعب التغيير إلى تقنيات أحدث وإزالة التقنيات الحالية التي أصبحت قديمة بالفعل.
أحد أهم الأسباب التي أدت أيضا لبطء المتصفحات وقتها هو كون جميع علامات التبويب المفتوحة تُعالج في عملية واحدة، سبب ذلك بطء تحميل الصفحات، وعند انهيار تبويب واحد سينهار المتصفح كاملا وسيكون عليك فتح نافذة جديدة والبدء من جديد.
لذلك عينت جوجل فريقا من نخبة المطورين الذين عملوا في تطوير المتصفحات سابقا، كان أغلبهم ممن عملوا في فايرفوكس مثل بريان راينر ومايك بينكرتون وبراين راكوسكي، هؤلاء وغيرهم عملوا على تطوير المتصفح الجديد “كروم” وعلى رأسهم ساندر بيتشاي الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي حاليا لجوجل.
عالجت جوجل المشكلة الشائعة وقتها باتباع أسلوب سمته بالـ Sandboxing وهو جعل كل تبويب يعالج لوحده منفصلا عن الباقي، أدى ذلك إلى وجود متصفح أكثر استقرارًا وأسرع بفرق ملحوظ عن الآخرين، لقد كان جوجل كروم سريعا، سريعا جدا، وهو السبب الأول الذي جعل الناس يتجهون نحوه.
الاهتمام بالمطورين واحد من أهم الأسباب التي جعلت جوجل كروم على ما هو عليه الآن، منذ اليوم الأول ومتصفح جوجل كروم صديق للمطورين، حيث وضعت جوجل جزءًا كبيرًا من الـ Source code الخاص بكروم في مشروع مفتوح المصدر Open-Source باسم كروميوم، مما سهل على المطورين معرفة كيف يعمل المتصفح، بالإضافة إلى دعمه المبكر لـ HTML 5 وغيرها من التقنيات.
مظهر جوجل كروم كان إضافة قوية له مقارنةً بكل المتصفحات وقتها التي أتت بتصميم رديء ملئ بالأزرار ومظهر غير مريح، قام كروم باستخدام مظهر بسيط ومريح للعين والذي اتبعته أغلب المتصفحات لاحقا.
ومما أعطى كروم دفعةً من ناحية هي عدد المستخدمين هي الإعلانات، قامت جوجل بحملات دعائية كثيرة ومتعددة لمتصفحها، حيث أعلنت عنه في صفحة الرئيسية لمحرك بحث جوجل والتي كانت تحصد ملايينًا إن لم تكن مليارات من الزيارات يوميا.
أيضا كان كروم من أوائل المتصفحات التي وفرت وضع التصفح الخفي – incognito mode – في ديسمبر 2008، بعد سفاري من آبل في 2005.
كروم الذي ظهر لأول مرة في الثاني من سبتمبر عام 2008 بالنسخة التجريبية، وفي الحادي عشر من ديسمبر من نفس العام بنسخته الرسمية، ليصل عدد مستخدميه في يوليو من العام التالي 2009 لأكثر من 30 مليون مستخدم أو 1% من الحصة السوقية للمتصفحات.
بعد الإطلاق الرسمي بسنة تقريبا، أضافت جوجل ميزة تعد من أهم مميزات جوجل كروم حتى وقتنا الحالي، إنه متجر الإضافات والمظاهر – Themes-، الإضافات التي تعد واحدةً من أهم أسباب قوة كروم، في بادئ الأمر بدت فكرة الإضافات غريبة وغير مألوفة، لكنها سرعان ما انتشرت ولاقت اعجابا بين المستخدمين.
ديسمبر 2011 بعد عام من إطلاق متجر الاضافات والمظاهر، وعامين من الإطلاق الرسمي لجوجل كروم، وصل عدد المستخدمين إلى ما يفوق 120 مليون مستخدم ما يعادل 14.24% من الحصة السوقية للمتصفحات، المتجر به أكثر من 8500 إضافة و1500 مظهر للمتصفح، أيضا انخفضت حصة internet explorer لتصل إلى 45% تقريبا.
اقرأ أيضًا: 20 إضافة لمتصفح جوجل كروم يجب عليك استعمالها
لاحقا ولأول مرة، أعطت جوجل المستخدمين الخيار لجعل كروم المتصفح الافتراضي، الاقتراح الذي تراه الآن عند استخدام اي متصفح لفترة ولو قليلة، بالتأكيد زاد ذلك من عدد المستخدمين.
مارس 2011، جوجل تعيد تصميم شعار كروم وكروميوم مفتوح المصدر إلى شعار يتماشى مع أسلوب البساطة الذي بدأ في الانتشار، الشعار الذي نعرفه كلنا الآن، أيضا الشعار الأول بدا قديما بالفعل.
لاحقا في يونيو من نفس العام، قامت جوجل بإطلاق مجموعة حواسيب Chromebook التي اعتمدت على نظام تشغيل chrome os ومتصفح جوجل كروم كواجهة المستخدم الرئيسية كانت جوجل ترى أجهزة Chromebook على أنها مستقبل الحواسيب المحمولة الخفيفة والمتنقلة.
لم ترد جوجل أن يكون متصفح كروم أن يكون مجرد متصفح انترنت فقط، بل أرادت أن يكون منصة متكاملة، هذا ما جعلنا نرى نظام تشغيل Chrome os وتطبيقات كروم في سبتمبر 2013.
يونيو 2012، كروم أطلق رسميا لنظام IOS بعد إطلاقه لأندرويد قبله في شهر فبراير، عدد مستخدمي جوجل كروم الآن وصل إلى 310 مليون مستخدم، مستحوذًا بذلك على 31% من الحصة السوقية للمتصفحات، ليزيح بذلك متصفح مايكروسوفت internet explorer من والبقاء في القمة، ويصبح جوجل كروم رقم واحد في المتصفحات خلال ما يقارب أربع سنوات، إنجاز مبهر!

نحن الآن في بدايات 2014، كروم يستحوذ على 36% تقريبا من الحصة السوقية للمتصفحات و internet explorer في انخفاض حاد، بحصة سوقية تقارب الـ 17.7% وفايرفوكس وسفاري بحصص مقاربة.
لم تقم جوجل بالكثير لكروم حتى وقتها، أطلقت تطبيقات كروم وعملت على تطوير الإضافات في كروم، بزيادة طرق الربح لمطوري الإضافات مثلا، أيضا عملت جوجل على المتجر الخاص بالإضافات والثيمات، ومؤخرًا، التطبيقات.
مايو 2015، حيث مؤتمر جوجل I/O السنوي، يصعد ساندر بيتشاي نائب الرئيس الأول للمنتجات حينها، والرئيس التنفيذي الحالي لجوجل على خشبة المسرح ليعلن وصول جوجل كروم إلى أكثر من مليار مستخدم بالإضافة إلى خدمات مثل يوتيوب و Gmail وأندرويد.
ننتقل سريعا لشهر سبتمبر 2018، أتم جوجل كروم عامه العاشر وبحوزته أكثر من ملياري مستخدم نشط وما يقارب 62% من الحصة السوقية للمتصفحات، هيمنة كاملة!
وضع جوجل كروم حاليا
الآن كروم هو الخيار الأول لأكثر من 60% من الناس، وبعدد مستخدمين يصل إلى أكثر من 2.5 مليار مستخدم، ولا يوجد من ينازعه في عدد مستخدميه، فقط سفاري على أجهزة آبل بحصة 18.69% تقريبا، ومؤخرا مايكروسوفت ايدج الجديد وهو بدوره مبني على كروميوم، بحصة لا تتجاوز 4% مع جهود مايكروسوفت المستمرة لتحسينه وتطويره.
لكن جوجل لن ترضَ بذلك فقط بل تقوم بزيادة احتكارها لاستخدام المتصفحات عن طريق ربط جوجل كروم بخدمات جوجل المختلفة والتي لا يمكن الاستغناء عنها في وقتنا الحالي، هناك خدمات لا تعمل بشكل جيد وتفتقر إلى بعض المميزات إذا تم استخدامها في متصفح غير جوجل كروم، وذلك بدون الحديث عن بحث جوجل والحصول على النتائج مباشرة في شريط البحث، كل هذا يجعل تجربة استخدامه أفضل من غيره ويزيد من قوته.
أيضا يرتبط المتصفح مع نظام تشغيل اندرويد، فمثلا تطبيق Android System WebView الذي يجعل تطبيقات اندرويد تعرض محتوى الويب، يتم تشغيله بواسطة جوجل كروم، وقد رأينا المشكلة فيه منذ فترة وجيزة، أحد الحلول بالطبع، كان تحديث جوجل كروم.
ما العقبات التي قد تواجه كروم مستقبلا؟
ربما تتساءل، هل سيستمر هذا النفوذ إلى الأبد؟ هل من الممكن أن يظهر متصفح جديد ويزيح جوجل كروم عن القمة؟ الحقيقة نعم فلا شيء يبقى على حاله، وهناك بعض العقبات التي يجب على جوجل الانتباه لها قبل فوات الأوان.
الاستخدام الحاد لموارد الجهاز
وهي أولى العقبات التي قد تواجه المتصفح الشهير، كروم من أكثر المتصفحات القيلة على الأجهزة الضعيفة، ومن أكثر التطبيقات استخدامًا للرام، بالتأكيد قد رأيت أحد الـ Memes التي تتكلم عن ذلك، ويرجع ذلك إلى أسلوب الـ Sandboxing الذي تحدثنا عنه سابقا.
في الواقع، أحد أسباب اتجاه كثير من الناس مؤخرًا لمتصفح مايكروسوفت ايدج هو خفته مقارنةً بجوجل كروم، فإذا أرادت جوجل أن يظل متصفحها محتكرا لاستخدام المتصفحات هكذا، فيجب عليها الوصول لحل لهذه المشكلة.
الخصوصية
كما نعلم، فكروم تابع لشركة جوجل، والتي تعتمد بدورها على الإعلانات كمصدر أساسي للربح، وكونها تملك المتصفح الأشهر للعالم يوفر لها ميزة ضخمة حيث يمكنها جمع الكثير من البيانات عن المستخدمين لإظهار إعلانات مخصصة لهم، وهو ما يحدث فعلا، في تجربة من الواشنطن بوست في 2019 وُجد أنه خلال أسبوع من تصفح الويب سمح جوجل كروم لأكثر بقليل من 11 ألف طلب ل “كوكيز” للتتبع بينما في فايرفوكس منعت كلها.
ونظام جوجل الجديد للتتبع FLoC لم يلقَ الترحيب المطلوب، فكرته جيدة في الأصل، لكن مع جوجل سيمكن FLoC المعلنين من الوصول لمزيد من البيانات، أدى ذلك بالتأكيد لحصوله على نقد شديد، واتجاه العديد من المستخدمين لفايرفوكس المملوك للشركة غير الربحية Mozilla، حتى أن هنالك موقعًا يمكنك من معرفة إذا كان يتم تطبيق FLoC عليك أم لا.
في المجمل إذا كنت تهتم بخصوصيتك على الانترنت والتي أصبحت هامة جدا في الوقت الحالي، لن يكون جوجل كروم هو خيارك الأول، وأظنه سيظل كذلك.
الملخص
صعد جوجل كروم على قمة متصفحات الانترنت في وقت بدا وكأنه لا مكان لمتصفح جديد، عالجت جوجل مشاكل المتصفحات الأساسية وقتها في متصفح بواجهة بسيطة ومريحة، واستمرت في تقديم مميزات جديدة وتحسينها ودعم أحدث التقنيات وجعله متصفحا صديقًا للمطورين بالإضافة إلى التكامل مع خدمات جوجل، كل ذلك أدى إلى أن يصبح المتصفح الأول في العالم وأن يظل كذلك.
عظيم